العولمة
أولا : كيف نشأت العولمة
بدأ الحديث عن العولمة في تسعينات القرن العشرين ثم تحول من مجرد حديث الى نظام عالمي معترف به بل لقد تحول الي النظام الرئيسي و القوة الأساسية التى تقود العالم نحو المستقبل.
ومع انتشار العولمة يمكننا القول أن العالم انقسم الى ثلاث فرق أساسية :
الفريق الأول:
فريق يدعوا الي الالتفاف حول العولمة بدعوا أنها تتيح الحرية للإنسان في التفكير و التعبير عما يراه من وجهة نظرة . كما انها محاولة لتحويل تفكير الإنسان من التفكير التقليدى الى التفكير الناقد و المتنوع .و من التخطيط الجامد الى التخطيط المرن المتفتح.
الفريق الثاني:
فريق يرفض العولمة فهم يرون فيها امتهانا لكرامتهم وتذويبا لهويتهم و تدخلا فى خصوصياتهم الثقافية و سلبا لمقومات حياتهم الاجتماعية بل أنهم يرون ان في العولمة هجمة شرسة علي مقومات حياتهم اليومية وهيمنة من دول كبرى تملك المال و العلم و التكنولوجيا و الانتاج و السطوة السياسية علي دول قليلة العلم محدودة الانتاج في مواردها البشرية و المادية
الفريق الثالث:
وهم المحايدون الذين يراقبون عن كثب ما تفعله العولمة و ما ينتج عنها سواء كان بالإيجاب او بالسلب
هذه هي الفرق الثلاثة التي انقسم اليها العلم اليوم
و المدقق النظر في التحولات التى تجتاح العالم في النواحى المختلفة سواء كانت اقتصادية او سياسية او ثقافية او علمية هذه التحولات المذهلة و المتسارعة ترجع الي احدى سببين:
الأول:أنها من أسباب العولمة
الثانى :أنها من نتائج العولمة
لقد اصبحت العولمة حقيقة واقعية و ليست اختيارا و أصبح الحل الوحيد للحكومات لا يتمثل في المقاومة و لكن فى كيفية مواجهتها و فهم خصائصها و حقيقة أبعادها و ابتكار سياسات جديدة داخلية و خارجية تحقق المطالب الوطنية
ثانيا:ما هي العولمة
لتعريف العولمة هناك تعريف في اللغة و تعريف في المصطلح
أولا: في اللغة:هي مأخوذة من التعولم و العالمية و العالم .
ثانيا: في الاصطلاح :
تعنى إصباغ عالم الأرض بصبغة واحدة شاملة بجميع أقوامها وكل من يعيش فيها و توحيد أنشطتها الاقتصادية و الاجتماعية و الفكرية من غير اعتبار لاختلاف الأديان أو الثقافات او الجنسيات و الأعراق وهى تعتبر تطور طبيعي نحو عالم بدون فواصل مكانية او زمانية عالم بدون فواصل جغرافية او سياسية .
ولكن ليس هناك تعريف جامع مانع للعولمة فهي مصطلح غامض في أذهان الكثير من الناس و يرجع هذا الي أن العولمة ليست مصطلح لغوى او قاموسي جامد يسهل تفسيرها بشرح المدلولات اللغوية المتصلة بها ، بل هي مفهوم شمولي يذهب عميقا في جميع الاتجاهات لوصف حركة التغيرات المتواصلة .
ولكن مما يلاحظ من التعريفات التي أوردها الباحثين و المفكرين التركيز الواضح على البعد الاقتصادي للعولمة لان لمفهوم العولمة بدايةً علاقة وثيقة بالاقتصاد و الرأسمالية
الإسلام و العولمة:
هناك فرق كبير بين عالمية الإسلام و عولمة الغرب فعولمة الغرب اقتصادية الأساس تسعى الي الهيمنة علي العالم برفع القيود عن الأسواق و البضائع ورؤوس الأموال وهذا يقضى إلى تعميق النزعات و الصراعات أما عالمية الإسلام فتقوم على أساس التعارف و الانفتاح على الثقافات الأخرى بلا إكراه }لا إكراه في الدين قد تبن الرشد من الغي {
ثالثا: أسباب و بواعث العولمة
هناك العديد من الأسباب التي أدت الي العولمة من أهمها ما يلي :
السبب الأول :التشوق لمزيد من الحرية وهى الحلم الرئيسي لكل إنسان أن ينعم بمزيد من الحرية و الديموقراطية وان يُرفع عنه عبء الظلم و الاستبداد .
السبب الثاني: تحقيق مزيد من الرفاهية للإنسان و التي تكفل له مزيد من المتعة و الحياة الإنسانية الكريمة.
السبب الثالث:تعظيم المبادئ و الأخلاق الحميدة فالعولمة تعمل على ترسية المبادئ و تأسيس الأخلاق و احترام و تقديس القيم بشكل متكامل لصيانة الحياة الإنسانية .
السبب الرابع:تحقيق وتفعيل الجمال و المتعة و الخير وذلك بجعل السلوك الإنساني أكثر تهذيباً وتنمية الذوق والإحساس بالجمال و الخير.
السبب الخامس:تحقيق العقلانية الرشيدة في استخدام الموارد بالشكل الذي يحافظ على البيئة الطبيعية و يحميها من التلوث من اجل الأجيال القادمة وحقها في بيئة نظيفة وآمنة.
السبب السادس:تحقيق مزيد من الديموقراطية و المشاركة الفاعلة في الاختيار ، وحق الإنسان في المشاركة و إيجاد النظم التي تحافظ على حقوقه.
السبب السابع:تحقيق مزيد من التعاون الخلاق القائم على تفعيل مواهب العباقرة و احترام نبوغ الآخرين بل ومساعداتهم على التفوق و اكتشاف الجديد في كل مجال.
رابعا:مجالات العولمة
العولمة هي لحظة تاريخية تتضمن كل الأبعاد الحياتية بما في ذلك الاقتصاد و السياسة و الثقافة و التى تتداخل مع بعضها البعض لتكون عالم جديد بلا حدود سياسية او ثقافية او اقتصادية
ومن أهم مجالات العولمة و أبعادها:
1-البعد الاقتصادي
2-البعد السياسى
3- البعد الثقافي
أولا: البعد الاقتصادي:
العولمة هى من الأساس مفهوم اقتصادى وذلك قبل أن تصبح مفهوم علمي او سياسي
و العولمة الاقتصادية تهدف الي تحويل العالم الي عالم مادى يهتم بالدرجة الأولى بالاقتصاد أكثر من اهتمامه بأي أمر حياتى أخر بما في ذلك الأخلاق و القيم الإنسانية التي تتراجع تدريجيا و تستبدل بالعلاقات السلعية و الربح و المنفعة.
فهدف العولمة الاقتصادية هي تحويل افراد هذا العالم الي افراد مستهلكين للسلع و الخدمات التى تروج علي النطاق العالمي.
و العولمة الاقتصادية تتجسد في حقيقة الأمر في مجموعة المستجدات و التطورات الاقتصادية التى برزت بشكل واضح خلال فترة التسعينات . وتأتي في مقدمة هذه التطورات الدور المتزايد للشركات العابرة للحدود التى ليس لها مقر او وطن ، لقد برزت في الآونة الأخيرة مجموعة من الشركات الصناعية و المصرفية القائمة علي دمج شركات أوروبية و أمريكية و يابانية . و تتسم هذه الشركات بأنه لم يعد لها هوية او جنسية محددة ، و لم تعد تنتمى لدولة ولا تؤمن بالولاء لأية قومية ، كما أنه ليس لهذه الشركات مقر واحد ولا تتأثر بسياسات دولة من الدول متجاوزة بذلك الحواجز و القيود التقليدية علي النشاط التجاري و المالى و الصناعى فمقرها الإداري في دولة ،و التسويقي في دولة ثانية ، و الإنتاجي فى دولة ثالثة، وهكذا
و يعتقد البعض أن العولمة الاقتصادية هى النموذج الاقتصادى الأصح التى ستجلب النمو و السعادة للبشرية ، و هذه الصورة الفردية استحوذت علي خيال السياسيين و المفكرين مما تاكد أن لها أثار هائلة علي كلا من السياسة و الثقافة
ثانيا : العولمة الثقافية:
أن العولمة الثقافية هي ظاهرة جديدة تستمد خصوصيتها من عدة تطورات فكرية و قيمية وسلوكية برزت بشكل واضح خلال عقد التسعينات و يأتي في مقدمة هذه التطورات انفتاح الثقافة العالمية المختلفة و تأثيرها علي بعضها البعض ، و لم يحدث في التاريخ أن اصبحت المناطق الثقافية و الحضارية (بما في ذلك أكثر المناطق في العلم انعزالا ورغبة في الانعزال) منفتحة
و العولمة الثقافية تحافظ على الخصوصيات الثقافية
و تهدف العولمة الثقافية الى بلوغ البشر مرحلة الحرية الكاملة لانتقال الأفكار والمعلومات و الاتجاهات و القيم و الأذواق علي الصعيد العالمى وبقدر اقل من القيود و الضوابط و العراقيل
لقد فقدت الدول في ظل العولمة الثقافية القدرة علي التحكم في تدفق الأفكار و القيم و القناعات كما فقدت السيطرة على التداول الحر للمعلومات و الإخبار لقد أصبح ملايين البشر موحدين عن طريق التلفاز و التليفون ومن خلال البريد الالكتروني و شبكات الانترنت
أن العولمة الثقافية تعنى انتقال تركيز اهتمام الوعي الإنساني من المجال المحلى الى المجال العالمى
و العولمة تمثل تحديا ثقافيا غير مسبوق قائم علي الاجتياح الثقافي الذى يتمثل في ثلاث آليات:
1- تفقد الدول الصغيرة ثقافتها تحت ضغط الاجتياح الثقافي العالمى وتبدأ فى التخلي بالتدريج عن خصائصها الثقافية لصالح الثقافة العالمية وهى مرحلة دقيقة وفى نطاق هذه المرحلة تعمل على استيلاء الثقافات المتعددة لصالح الثقافة العالمية الواحدة.
2- ظهور الثقافة الوطنية فى صورة باهتة عاجزة عن تقديم التصورات او تقديم الشخصية الراقية فى الوقت التى تظهر فيه العولمة الزاهية الألوان والارتقائية.
3- ظهور روابط وجسور مهمتها الرئيسة ايجاد معايير وقيم للعبور عليها الى الثقافة العالمية للوصول بالفكر الثقافي العالمى الى ارجاء العالم ومن ثم يحدث نوع من التواجد الثقافى.
والعولمة لا تعنى مجرد صراع الحضارات او ترابط الثقافات بل انها توحى باحتمال نشر الثقافة الاستهلاكية والشبابية عالميا.
ولقد تمكنت هذه الثقافة الاستهلاكية من توحيد شباب العالم كما لم تتمكن اى قوة او مؤسسه أخرى من توحيدها فى التاريخ ,فالشباب الذى اخذ يبرز كقوة شرائية مهمة يأكل من الوجبات السريعة نفسها كالهمبرغر والبيتزا والمشروبات الغازية نفسها كالبيبسى والكولا ,ويلبس نفس الملابس العالمية من الجينز وغيرها كما يشاهد نفس أفلام العنف.
كل هذا يؤكد أن العولمة الثقافية انتشرت فى معظم دول العالم واستطاعت أن توحد معظم شباب هذه الدول حول مفاهيم وعادات متقاربة او موحدة.
ثالثا:العولمة السياسية:~
أن السياسة بطبيعتها محلية وهى من ابرز اختصاصات الدولة القومية التى تحرص كل الحرص على عدم التفريط بها واحتكارها ضمن نطاقها الجغرافى الضيق ومجالها الوطنى الأضيق ،ولذلك
فإن احتكار السياسة ضمن المجال المحلى وبعيدا عن التدخلات الخارجية مرتبطة اشد الارتباط بمفهوم السياسة وبممارسة الدولة لصلاحيتها وسلطتها و التى هى نقيد العولمة ,والسياسة نتيجة لطبيعتها المحلية هى أكثر الأبعاد الحياتية مقاومة للعولمة.
أن قيام عالم بلا حدود سياسية (العولمة السياسية) لا تعنى القضاء على الدولة او بروز الحكم العالمى وإنما تتضمن دخول البشرية مرحلة سياسية جديدة يتم خلالها الانتقال الحر للقرارات والتشريعات و القناعات والخيارات عبر المجتمعات والقارات بأقل قدر من القيود والضوابط متجاوزة بذلك الدول والحدود الجغرافية.
أن المجال السياسى المحلى بدأ فى التراجع تدريجيا لصالح المجال السياسى العالمى ولم تعد الدولة مركز السياسة فى العالم ,فعلى الصعيد العالمى وعلى ارض الواقع لم تعد الدولة قادرة على الثبات فى مواجهة هذه التحولات المتسارعة والمتمثل أهمها فيما يلي :
القرارات التى تتخذ فى عاصمة من عواصم العالم سرعان ما تنتشر انتشارا سريعا الى كل العواصم.
التشريعات التى تخص دولة من الدول تستحوذ مباشرة على اهتمام العالم بأسره.
الأخبار والأحداث السياسية المحلية والعالمية كأزمة الخليج عام 1990م تنتشر دون الحاجة لأي ترخيص.
هذه الأمثلة وغيرها تشير الى سقوط الحدود السياسية بين الدول ويمثل نموذج العولمة السياسية.
وعلى الجانب الاجتماعى فى الآونة الأخيرة برزت المنظمات الأهلية (غير الحكومية ) على ساحل السياسة العالمية كقوة فاعلة ومؤثرة فى المؤتمرات العالمية كمؤتمر السكان فى القاهرة,
ومؤتمر قمة الأرض فى ريودى جانيرو ,ومؤتمر السكان فى بكين.
وتأتى فى مقدمة المنظمات غير الحكومية منظمات حقوق الإنسان كمنظمة العفو الدولية ومنظمات البيئة وغيرها.
ولقد ارتبطت العولمة السياسية ببروز مجموعة من القضايا والمشكلات العالمية الجديدة التى تتطلب استجابة دولية وجماعية ويمكن حصر اهم هذه القضايا فيما يلي :
قضية الانفجار السكاني كقضية عالمية تعتبر اخطر المشكلات البشرية لأنها ترتبط بقضية الفقر والفقراء فى العالم
قضية البيئة و التلوث البيئي و التدهور البيئي المستمر وما تبعها من مشكلات في الأوزون و النفايات النووية.
قضية حقوق الانسان وذلك لان الانسان فى دول عديدة يعانى من الاضطهاد والظلم والقهر وما زال مسلوب الارادة والكرامة.
قضية المخدرات وانتشارها على الصعيد العالمى.
قضية الإرهاب والتطرف و التى اصبحت أكثر إلحاحا من اى وقت مضى نظرا لانها هددت وتهدد كل بقعة فى العالم.
هذه القضايا تتطلب لمواجهتها صدور تشريعات وسياسات ومؤسسات عالمية وتنسيقا وتعاونا عالميا وربما حكومات عالمية للتعامل معها.